فصل: الشاهد الخامس والستون بعد الخمسمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.وفاة العادل واقتسام الملك بين بنيه.

قد ذكرنا خبر العادل مع الإفرنج الذين جاءوا من وراء البحر إلى سواحل الشام سنة أربع عشرة وما وقع بينه وبينهم بعكا وبيسان وأنه عاد إلى مرج الصفر قريبا من دمشق فأقام به فلما سار الإفرنج إلى دمياط انتقل هو خانقين فأقام بها ثم مرض وتوفي سابع جمادي الأخيرة سنة خمس عشرة وستمائة لثلاث وعشرين سنة من ملكه دمشق وخمس وسبعين من عمره وكان ابنه المعظم عيسى بنابلس فجاء ودفنه بدمشق وقام بملكها واستأثر بمخلفه من المال والسلاح وكان لا يعبر عنه يقال كان المال العين في سترته سبعمائة ألف دينار وكان ملكا حليما صبورا مسددا صاحب إفادة وخديعة منجمة في أحواله وكان قد قسم البلاد في حياته بين بنيه فمصر للكامل ودمشق والقدس وطبرية والكرك وما إليها للمعظم عيسى وخلاط وما إليها وبلاد الجزيرة غير الرها ونصيبين وميافارقين للأشرف موسى والرها وميافارقين لشهاب الدين غازي وقلعة جعبر للخضر أرسلان شاه فلما توفي استقل كل منهم بعمله وبلغ الخبر بذلك إلى الملك الكامل بمكانه قبالة الإفرنج بدمياط فاضطرب عسكره وسعى المشطوب كما نقدم في ولاية أخيه الفائز ووصل الخبر بذلك إلى أخيه المعظم عيسى فأغذ السير من دمشق إليه بمصر وأخرج المشطوب إلى الشام فلحق بأخيهما الأشرف وصار في جملته واستقام للكامل ملكه بمصر ورجع المعظم من مصر فقصد القدس في ذي القعدة من السنة وخرب أسواره حذرا عليه من الإفرنج وملك الإفرنج دمياط كما ذكرناه وأقام الكامل قبالتهم والله ينصر من يشاء من عباده.

.وفاة المنصوب صاحب حماة وولاية ابنه الناصر.

قد تقدم لنا صلاح الدين كان قد أقطع تقي الدين عمر ابن أخيه شاهنشاه مدينة حماة وأعمالها ثم بعثه إلى الجزيرة سنة سبع وثمانين فملك حران والرها وسروج وميافارقين وما إليها من بلاد الجزيرة فأقطعه إياها صلاح الدين ثم سار إلى بلاد أرمينية وقصد بكتمر صاحب خلاط وحاصرها ثم انتقل إلى حصار ملازكرد وهلك عليها تلك السنة وتولى ابنه ناصر الدين محمد ويلقب المنصور على أعماله ثم انتزع صلاح الدين منه بلاد الجزيرة وأقطعها أخاه العادل وأبقى حماة وأعمالها بيد ناصر الدين محمد المذكور فلم تزل بيده إلى أن توفي سنة سبع عشرة وستمائة لثمان وعشرين سنة من ولايته عليها بعد مهلك عم أبيه صلاح الدين والعادل وكان ابنه ولي عهده المظفر عند العادل بمصر وابنه الآخر قليج أرسلان عند خاله المعظم عيسى بمكانه من حصاره لملازكرد فاستدعاه أهل دولته بحماة واشترط المعظم عليه ما لا يحمله وأطلقه إليهم فملك حماة وتلقب الناصر وجاءه أخوه ولي العهد من مصر فدافعه أهل حماة فرجع إلى دمشق عند المعظم وكاتبهم واستمالهم فلم يجيبوه ورجع إلى مصر والله تعالى أعلم.

.مسير صاحب بلاد الروم إلى حلب وإنهزامه ودخولها في طاعة الأشرف.

قد كنا قدمنا وفاة الظاهر غازي بن صلاح الدين حلب ومنبج سنة ثلاث عشرة وولاية ابنه الأصغر محمد العزيز غياث الدين في كفالة طغرل الخادم مولى أبيه الظاهر وأن شهاب الدين هذا الكامل أحسن السيرة وأفاض العدل وعف عن أموال الرعية ورد السعاية فيهم بعضهم على بعض وكان بحلب رجلان من الأشرار يكثران السعاية عند الظاهر ويغريانه بالناس ولقي الناس منهما شدة فأبعدهما شهاب الدين فيمن أبعد من أهل الشر ورد عليهما السعاية فكسدت سوقهما وتناولهما الناس بالألسنة والوعيد فلحقا ببلاد الروم وأطمعا صاحبها كيكاوس في ملك حلب وما بعدها ثم رأى أن ذلك لا يتم إلا أن يكون معه بعض بني أيوب لينقاد أهل البلاد إليه وكان الأفضل بن صلاح الدين بسميساط وقد دخل في طاعة كيكاوس غضبا من أخيه الظاهر وعمه العادل بما انتزعا من أعماله فاستدعاه كيكاوس وطلبه في المسير على أن يكون ما يفتحه من حلب وأعمالها للأفضل والخطبة والسكة لكيكاوس ثم يقصدون بلاد الأشرف بالجزيرة حران والرها وما إليهما على هذا الحكم وتحالفوا على ذلك وجمعوا العساكر وساروا سنة خمس عشرة فملكوا قلعة رعبان فتسلمها الأفضل ثم قلعة تل باشر من صاحبها ابن بدر الدين أرزم الباروقي بعد أن كانوا حاصروها وضيقوا عليها وملكها كيكاوس لنفسه فاستوحش الأفضل وأهل البلدان بفعل مثل ذلك في حلب وكان شهاب الدين كافل العزيز بن الظاهر مقيما بقلعة حلب لا يفارقها خشية عليها فطير الخبر إلى الملك الأشرف صاحب الجزيرة وخلاط لتكون طاعتهم وخطبتهم له والسكة باسمه ويأخذ من أعمال حلب ما اختار فجمع العساكر وسار إليهم سنة خمس عشرة ومعه وأميرهم نافع من خدمه وغيرهم من العرب ونزل بظاهر حلب وتوجه كيكاوس والأفضل من تل باشر إلى منبج وسار الأشرف نحوهم وفي مقدمته العرب فلقوا مقدمة كيكاوس فهزموها فلما عادوا إلى كيكاوس منهزمين أجفل إلى بلاده وسار الأشرف فملك رعبان وتل باشر وأخذ من كان عساكر كيكاوس وأطلقهم فلحقوا بكيكاوس فجمعهم في دار وأحرقهم عليهم فهلكوا وسلم الأشرف ما ملكه من قلاع حلب لشهاب الدين الخادم كافل العزيز بحلب واعتزم على اتباع كيكاوس إلى بلاده فأدركه الخبر بوفاة أبيه العادل فرجع انتهى والله تعالى أعلم.